لكلّ طفل، اللحظات الأولى مهمّة
التحدّي
وبشكل أسرع بكثير مما كنا نتصور:
تضع السنوات الأولى لحياة الطفل الأساس لكل نموه اللاحق.
في السنوات الأولى من العُمر، وخصوصاً من فترة الحمل وحتى سنّ الثالثة، يحتاج الأطفال إلى التغذية والوقاية والتحفيز من أجل نموٍّ دماغي سليم. وقد أظهرت التطورات الحديثة في علوم الجهاز العصبي أدلةً جديدةً حول نمو دماغ الأطفال الرُضّع خلال تلك الفترة. وبالتالي، نعلم أنه في السنوات الأولى من حياة الأطفال، تشكل أدمغتهم روابط جديدة بمعدل مذهل يبلغ (وفقاً لمركز نمو الطفل التابع لجامعة هارفارد) أكثر من مليون رابطة في الثانية؛ وهي سرعة لن تتكرر لاحقاً قط.
وخلال عملية بناء الدماغ، تتشكّل الوصلات العصبية بفعل الجينات والخبرات المعيشية – وهي تحديداً حُسن التغذية والوقاية والتحفيز من خلال الكلام واللّعِب والاهتمام المُتجاوب مِن طرف مَن يعتنون بالطفل. إنّ هذه التوليفة من الطبيعة والتغذية تضع حجر الأساس لمُستقبل الطفل.
بيّد أنّ كثيراً من الأطفال ما تزال تفوتُهم توليفة ’التغذية واللعب والحُب‘ التي تحتاج إليها أدمغتهم لكي تنمو. فنحن بكل بساطة لا نعتني بأدمغة الأطفال مثلما نعتني بأجسامهم.
حين يولي المرء الاهتمام ببداية القصة فإن بمقدوره تغيير مجراها بأكمله.رافي كافوكيان، مُغنٍّ ومؤسس مركز كندا لتكريم الطفولة
تُحدِّد جُملةٌ من العوامل سبب حصول بعض الأطفال على ما يحتاجون إليه من تغذية ووقاية وتحفيز، بينما يتخلّف غيرهم عن الرّكب. ويُعدّ الفقر عنصراً شائعاً في هذه المعادلة. فهناك 250 مليون طفل دون سنّ الخامسة في البُلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل عُرضة لعدم تحقيق إمكاناتهم النمائية بسبب الفقر المُدقع وتوقّف النمو.
وفي كثير من الأحيان يكون الأطفال الأشد حرماناً هُم الفئة الأقل حظاً في الحصول على المكوّنات الغذائية اللازمة للنمو نمواً سليماً. وعلى سبيل المثال، يمكن للتعرّض للإجهاد المُفرط بصورة متكرّرة أو مطوّلة (مثل الإهمال وإساءة المعاملة) أن يحفّز منظومات استجابية بيولوجية تتسبب مع اقترانها بغياب شخصٍ بالغ يحمي الطفل في حدوث إجهاد سُمّي، وهي استجابةٌ يمكن لها أن تتدخّل في نمو الدماغ. ومع نموّ الطفل يُنذر الإجهاد السُمّي بمشاكل بدنية وذهنيّة وسلوكية في مرحلة البلوغ.
كذلك يلعب النزاع وغموض المصير دوراً في المسألة، إذ يُواجه الأطفال دون سنّ الخامسة في المناطق المتأثّرة بالنزاع والدول الهشّة مخاطرَ تتهدد حياتهم وصحّتهم ورفاههم.
ويترتب عن الإغفال والتراخي ثمنٌ باهظ ومضاعفات طويلة الأمد على الصحة والسعادة والقدرة على كسب العيش مع دخول أولئك الأطفال في سن البلوغ. ويُساهم هذان العاملان أيضاً في حلقات الفقر وعدم المساواة والإقصاء الاجتماعي على الصعيد العالمي.
وعلى الرغم من الحاجة إليها، ما تزال برامج الطفولة المبكّرة ناقصة التمويل بصورةٍ حادّة وتُنفَّذ تنفيذاً باهتاً. فالاستثمار الحكومي الموجّه نحو النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة متدنٍّ. وعلى سبيل المثال، في قياسٍ شمل 27 بلداً من بُلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تبيَّن أنّ 0.01 في المئة فقط من الناتج الوطني الإجمالي قد أُنفق في التعليم ما قبل المرحلة الابتدائية في عام 2012.
وهناك أيضاً فهمٌ عام ضئيل لأهمية السنوات الخمس الأولى من عُمر الطفل، فضلاً عن أن الطلب العام على وضع سياسات وبرامج وتمويل هو طلبٌ خفيف.
بناء دماغ طفلك
- يؤدّي الافتقار إلى التغذية في مرحلة الطفولة المبكّرة إلى توقّف النمو، ما يؤثّر على طفل واحد من بين كل أربعة أطفال تقريباً دون سنّ الخامسة حول العالم.
- وقد تُفضي المخاطر المُصاحبة للفقر – مثل نقص التغذية وسوء النظافة الصحية – إلى التأخر في النموّ وعُسرٍ في التحصيل الدراسي.
- يشيعُ أسلوب التأديب العنيف في بلدانٍ كثيرة، وتُقدّر نسبة الأطفال بين سنّ الثانية والرابعة ممّن تعرّضوا للصياح أو الصراخ في وجههم في الشهر الماضي بنحو 70 في المئة.
- يُقدّر عدد الأطفال دون سنّ الخامسة ممّن تعرّضوا لأساليب عنف اجتماعي بنحو 300 مليون طفل.
- قد يؤدي ضُعف النماء المبكّر بالنسبة إلى طفلٍ في بلد منخفض أو متوسط الدخل إلى أن يجني ذلك الطفل مدخولاً أقل بنحو الرُّبع في سنّ البلوغ.
- أما على مستوى البُلدان، فقد يؤدي ضُعف النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة إلى خسارةٍ اقتصادية؛ ففي الهند، تبلغ الخسارة نحو ضعف الناتج المحلي الإجمالي المُنفَق في خدمات الصحة.
الحلّ
تحتاج الأدمغة سريعة النمو إلى سياسات وبيئات صديقة للأسرة لتدوم انطلاقتها.
أخبار سارّة: إن التدخلات الصائبة في الوقت المناسب قادرة على تعزيز النماء وعلى كسر حلقات الغُبن المتناقلة بين الأجيال، وعلى توفير بداية حياة منصفة لكل طفل.
وبالنسبة للرُضّع المولودين وسط أجواء الحرمان، يمكن للتدخل مبكّراً، حين يكون الدماغ منهمِكاً في النمو المطّرِد، أن يعكس مسار الضرر وأن يُساعد في بناء القدرة على الصمود. وبالنسبة إلى الأطفال ذوي الإعاقات فإن ذلك يعني الحرص على توفير السبل لهم للحصول على الخدمات الفردية والأُسرية والمجتمعية المُتاحة لجميع الأطفال؛ مقترنةً ببرامج تتناول الاحتياجات الخاصة لكل طفل.
يمكننا أن نساند #النماء_في_مرحلة_الطفولة_المبكّرة EarlyChildhoodDevelopment# من خلال توسيع البرامج القائمة، ولا سيّما الخدمات الصحية. وعلى سبيل المثال، وَجدت سلسلة مجلّة “لانسِت” The Lancet أنّ الأمر لا يكلّف سوى نصف دولارٍ أمريكي إضافيِّ لكل شخص في السنة عند إضافة خدمتين لتعزيز خدمات الرعاية الحاضنة للطفل، لتصبح بمثابة حزمة من الخدمات المتكاملة لصحة وتغذية الأم والطفل.
في كلّ مرّةٍ يتحدث فيها أحد الأبوين إلى طفلٍ صغير تتفتّح طاقةٌ ما في عقله؛ ويتحفّز دماغه. وهذا ما يُحدِث الوصلاتَ الدماغية.د. پيا بريتو، عالمة أعصاب، كبيرة مستشاري اليونيسف حول النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة
وبفضل الأدلة العلمية الدامغة والمُناصَرة المثابِرة، بدأت الحكومات والمجتمع بإدراك الأهمية الدقيقة للاستثمار في السنوات الأولى من حياة الطفل. في عام 2015، أُدرج النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة في أهداف التنمية المُستدامة، وهو ما يؤكّد مُجدداً المرتبة المتنامية لهذا الجانب في برنامج عمل التنمية على الصعيد العالمي. وقد استند ذلك إلى جهود سابقة كانت قد أفضت إلى إدراج النماء في مرحلة الطفولة المبكرة في اتفاقية حقوق الطفل، التي تنصّ على أن لكل طفل الحق في النمو إلى “أقصى حد ممكن” وتعترف “بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموّه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي.”
البداية الأفضل في الحياة
وعلينا أن نتحرّك بشكلٍ عاجل لنجعل الاستثمار في النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة أولويةً في كلّ بلدٍ من أجل إنجاز أهداف خطة التنمية المُستدامة لعام 2030. إنّ الاستثمار في النماء في مرحلة الطفولة المبكرة هو طريقة فعّالة من حيث التكلفة لتنشيط الازدهار المتبادل، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وتوسيع الفُرص المتكافئة، والقضاء على الفقر المُدقع. فمقابل كل دولار واحد يُنفق على النماء في مرحلة الطفولة المبكرة، قد يبلغ العائد على الاستثمار ما يصل حتى 13 دولاراً.
إنّ الآباء والأمهات ينبغي أن يُهيّأ لهم الوقت والدعم ليصنعوا بيئةً مُحبّة وآمنة ينعمُ فيها أطفالهم بمعادلة ’الغذاء واللّعب والحُب‘ التي يحتاجون إليها، وليساعدوا في تنشئة عقول صغارهم.
وابتغاء ذلك تعمل اليونيسف من أجل زيادة الاستثمار في السياسات المراعية للأُسرة، وتشمل إجازة الأبوّة والأمومة المدفوعة الأجر وسبل الحصول على رعاية طفولة جيدة وميسورة التكلفة؛ وهو ما يعد أمراً حسناً للحكومات لأنه يساعد الاقتصادات والأعمال، فضلاً عن الأبوين والأطفال.
كذلك يعدّ الاستثمار في السياسات المُراعية للأُسرة أمراً جيّداً للأعمال؛ إذ إنَّ منح الأبوين المرونة يوفّرُ قوّة عاملة أكثر سعادةً وإنتاجيةً، ويتيح للأبوين مزيداً من الوقت لتنشِئة عقول المستقبل.
لقد حان الآن الوقت للعمل؛ ونحن قادرون معاً على أن نجعل #اللّحظات_الأولى_مُهمّة
يونيسف