الرئيسية » الصحة النفسية » الديك الذي اشتراه أبي . عشتار بن علي

الديك الذي اشتراه أبي . عشتار بن علي

منذ أرعبني ذلك الدّيك الذي اشتراه أبي من السّوق وأنا أعاني من فوبيا الدّيكة…كان ديكا غريب الاطوار يهاجمني ويطاردني كلّما رآني …فقط انا من يهاجمها ويتحول الى بطل همام أمامها ..كان الديك نؤوم الضّحى فلا يصحو من نومه الا مع موعد الغداء ليصفّق بجناحيه ثم يبدأ بالصياح كما يفعل كل الديكة ..يكون في كامل هدوئه ينقر الحبّ أو ما تضعه أمي أمامه من بقايا الأكل غير آبه بكلّ من يمرّ أمامه من أفراد العائلة وبمجرّد لمحه لطيفي يرمقني بنظرة جانبيّة دجاجية خبيثة متظاهرا بعدم الاهتمام وفور اقترابي يرفرف بجناحية ويقفز لينقرني ..الأمر الّذي أثار كلّ أفراد العائلة وبعض الجيران الّذين يتردّدون على بيتنا …جارتنا لطيفة كانت تستعيذ من الشيطان وفي اعتقادها أنه مسكون بمخلوق من الجان و أمّي فسّرت الامر على أن شبها بيني وبين فتاة قامت بايذائه هو سبب مهاجمة الدّيك لي وفي النهاية أصدر أبي أمره بالذّبح العاجل ومنه الى التنفيذ دون تردّد …ذبح الدّيك ونتف ريشه وطبخت أمي بلحمه طبقا من الكسكسي الشهيّ وكنت أنا أكثر المقبلين على أكله بنهم انتقامي لما ألحقه بي من فزع ورعب ..مرّت سنوات طويلة على حكاية الدّيك الّذي كرهني وعاداني وظلّ الخوف من الدّيكة يلازمني ..ان لمحت ديكا في أي مكان أتحاشاه .حدث واعترضتني بالصدفة في احدى المجلّات دراسة علميّة عن الدّجاج عرفت من خلالها أن الدّجاج من الطّيور الذّكية التي تتمتع بقوة الملاحظة وشدّة الانتباه وتقول الدراسة أيضا أن الذّكور من الدّجاج أي الدّيكة ذات ميول ميكيافيلية وتحب الهيمنة واثبات قوّتها و بفضل تلك الدراسة وجدت تفسيرا مقنعا للسلوكات العدوانية لذلك الكائن تجاهي ..يبدو أنه لما يتمتع به من قوة ملاحظة انتبه الى خوفي منه وأعجبه ذلك فراح يستعرض بطشه وجبروته عليّ بما انه لم يكن هناك في البيت من يخشاه غيري .ورغم قراءتي لتلك الدّراسة التي تخصّ الدّجاج الا اني لم أتخلّص من فوبيا الدّيكة الا حين اقتربت منذ أيام من ديك فرضه أحد الأقارب بمناسبة العام الجديد حين عبرت أمامه بأنّي أقلعت عن أكل لحم الدّجاج الأبيض أو دجاج الماكينة كما نسميه ..قبلت الهديّة ..ديك عربي او امازيغيّ أصيل.. وجدت نفسي معه وجها لوجه وعلي أن أكرم وفادته قبل الذّبح ..أول مشكلة اعترضتني هي مكان مبيت هذا الضيف الضّحية.. ان تركته على سطح المنزل سوف يموت من شدة البرد هذا ان لم تهاجمه القطط المتغوّلة التي تجوب السطوح وتقتحم البيت بكل عنجهية …في النهاية لم يكن هناك من حلّ غير وضعه في غرفة الحمّام كي يقضي ليلته الأخيرة …كان من حين لآخر يصدح بصوته بكل عنفوان فحول الدّيكة دون ان يدري المسكين أنّه سيكون أضحية العام الجديد بعد ان انتشر خبر مرض الدّجاج الأبيض ..دجاج الماكينة كما نسميه …قدمت له ما تيسّر من الأكل والماء خبزا وصحنا انيقا محترما من الأرز الحار .. على ذوقي طبعا بما أنّي من هواة الأكل الحار كنت في كل مرة اتفقد الديك …لقد أكل الصحن كاملا ثم لجأ المسكين مباشرة الى ابريق الماء ليدس فيه رأسه وفي كل مرة كان يرفعه مذبذبا بلسانه -شلفطه الأرز الحار على ما يبدو – …ظللت أراقب تحرّكاته خلسة …بدا حزينا شارد الذّهن رغم وقفته المتغطرسة النّرجسية ..فيم يفكّر يا ترى أو من تذكّر …أتراه بعد أن أكل وشبع تذكّر دجاجاته ..يقال أن الدّيك في علاقته مع الاناث ..في الحب والغرام ملول إذا بقي مع نفس الدجاجات فهو متأهّب دوما للوقوع في حبّ أي دجاجة جديدة لكنّه في نفس الوقت ديبلوماسي ويعرف جيدا متى يظهر غطرسته ونرجسيّته …يتعالى وينفخ ريشه حين يكون هو الدّيك الوحيد وسط العديد من الدجاجات. لكنّه يغيّر من سلوكه حين يكون معه ديكة أخرى منافسة له ..في هذه الحالة عن كبريائه ونرجسيّته ليصبح أكثررقّة ولطفا …طبعا للمنافسة أصولها ونواميسها…تركته في مكانه لينام حين حلّ الليل ومع الفجر تعالى صياحه كاسرا صمت الصّباح معلنا عن نفسه التّواقة الى فرض وجوده …ماذا يريد ?… ان يوقظنا من النوم لنؤدي صلاة الفجر !… هكذاكانت جدتي تقول لكن بالتّأكيد الديك البدائي اوديك زمن الاسطورة كان يصيح ايضا أي قبل ظهور الأديان جميعها … هناك من يقولون انه يصيح حين تمر الملائكة أوالشياطين …أعتقد أن اجابة عمر الخيام في رباعياته هي الأرجححيث قال

أَتَدْرِي لِمَاذَا يُصْبِحُ الدِّيْكُ صَائِحاً … يُرَدِّدُ لَحْنَ النَّوْحِ فِي غُرَّةِ الْفَجْرِ

يُنَادِي لَقَدْ مَرَّتْ مِنَ الْعُمْرِ لَيْلَةٌ … وَهَا أَنْتَ لَمْ تَشْعُرْ بِذَاكَ وَلَمْ تَدْرِي

دعنا من الديكة البدائية وما قبل الاديان ومن ديك الخيام..نعود الى ديكي …صياح ديكي وقيامه باكرا بكل ثقة في النفس وثقة بي بعد ان عرفته وعرفني .. بعد ليلة كاملة قضاها في غرفة الحمام جعلني أحس بالذنب تجاهه …كيف اسمح بذبحه بعد ان احسست فيها بنبضه..بحزنه ..بحنينه لدجاجاته ..بعد أن اكلنا معا خبزا وملحا وأرزّا …أليس هذا غدرا .. ضيعت الكثير من الوقت وأنا أتلكّأ وأتحجج …من سيذبحه ومن سينتف ريشه ?… أصابعي تؤلمني بسبب جرح سكين اثر حادث منزلي ولا قدرة لي على ذلك ثم كان القرار الأخير ..لنترك أمره الى وقت لاحق .. لجأت الى شراء دجاجة مشوية جاهزة من المطعم وقمت باعداد بعض الاكلات اللذيذة والسّلطات وكان نصيب منها قدمت له قطعا من الخبز وبعض قطع من الدجاجة المشوية … اللئيم ازدردها بشراهة …اتضح انه من آكلي لحوم الدجاج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *