الاكتئاب
يتميّز الاكتئاب بأنّه يعيق تصرّفاتك ويجعلك غير قادر على التّمتّع بالحياة كما كنت من قبل، إذ أنّه يُصبح من الصّعب جدّا ممارسة حياتك بشكل عادي. ولكن مهما كانت درجة اليأس التي تعاني منها، فبإمكانك تجاوز ذلك. إذا فهِمت السّبب وراء اكتئابك وكنت على قدر كافٍ من الوعي بمختلف أعراض وأنواع الاكتئاب، فمن الممكن جدّا الـتّغلب على هذا المرض واتّخاذ الخطوة الأولى للشّعور بالتّحسّن
ما هو الاكتئاب؟
الاكتئاب هو اضطراب نفسي شائع يؤثّر سلبا على الحالة المزاجية للإنسان ويجعله يعيش في حالة حزن دائم و غير قادر على مواجهة مصاعب الحياة، كما يؤدّي إلى تغيّرات ملحوظة على مستوى تفكيره وشعوره وسلوكه. بالاضافة إلى ذلك، يؤدّي الاكتئاب إلى مشاكل مختلفة تمسّ الجانب المهني والدراسي والشخصي للمصاب، مثل النّوم والأكل، فتجعله يفقد الرّغبة في الحياة والاستمتاع بها. إنّ الشّعور بعدم القيمة، العجز و قلّة الحيلة دائما ما يُراود المصاب و يتفاقم معه بشكل مستمرّ
وبينما يصف بعض النّاس الاكتئاب بما يشبه “العيش داخل ثقبٍ أسود” أو بالموت الوشيك ، يُحس البعض الآخر باللّامبالاة وأنّهم أناس عديمو الحياة و فارغون ، ولكن مهما كانت درجة الاكتئاب، فلا بدّ من معالجته وإلاّ تحوّل إلى مشكلة صحّية عويصة
من جهة أخرى، من المهمّ أن تعلم أنّ الشّعور بالقنوط و العجز هو عرض من أعراض الاكتئاب وليس بالضرورة حقيقة حالتك التي تعيش فيها. وتجدر الإشارة إلى أنّه بإمكانك اتّخاذ خطوات ذاتية، شجاعة وقويّة لتحسين مزاجك ورفع معنوياتك لاستعادة الرّغبة في الحياة، وبالتّالي القضاء على الاكتئاب
ما هي أعراض الاكتئاب؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ الاكتئاب يختلف من شخص لآخر، إلاّ أنّ هناك علامات و أعراض شائعة. ومن المهمّ أن تضع في الحسبان أنّ هذه الأعراض هي جزء من مُتقلّبات الحياة. ومع ذلك، فإنّه كلّما كانت لديك أعراض أكثر كلّما كانت أقوى و استمرّت لوقت طويل، وكلّما زاد احتمال إصابتك بالاكتئاب
أعراض شائعة للاكتئاب
- انخفاض المزاج (يشعر به المريض او يلاحظه من حوله)
- الشّعور باليأس والعجز. يصبح المريض لديه نظرة سوداوية عن الحياة- يتصوّر استحالة تحسّن الأمور إلى الأفضل وعجزه التّام حيال ذلك.
- النّفور من الأنشطة اليومية التي كانت تُمارس من قبل بشكل طبيعي. يصبح الشّخص غير مكترث بالنّشاطات التي كانت محبّبة لديه، مثل الهوايات، الأنشطة الاجتماعية، التّسلية، وحتى ممارسة الجنس. و بعبارة أخرى، يفقد رغبته الكلية في الحياة.
- تغيّرات ملحوظة في الشّهية والوزن. يُعاني المُصاب من فقدان الشّهية وانخفاضٍ واضحٍ في الوزن، بحيث تكون نسبة تغير الوزن بأكثر من 5 % في الشّهر.
- تغيّر عادات النّوم. إذ يستيقظ المُكتئب عدّة مرّات في الليل، وهو ما نسمّيه بالأرق، أو ينام لساعات متواصلة.
- الشّعور بالغضب أو بالعصبية. إنّ ما يميّز مريض الاكتئاب هو الشّعور بالهياج، عدم الارتياح، والغضب لأتفه الأشياء، وقد يصل الأمر به إلى إظهار العدوانية تُجاه الآخرين.
- فقدان الحماس والطّاقة. يشعر المريض بالتّعب الشّديد والتّثاقل والخمول، إلى حدّ العجز عن القيام بأدنى الأنشطة، وإن قام بها أنفق وقتا طويلا لإتمامها.
- الكراهية تُجاه الذّات. يشعر المكتئب بالدّونية وبالذّنب، فتجده يلوم نفسه ويؤنّبها بشدّة على أتفه الأخطاء.
- التّصرّفات الطّائشة. يلجأ معظم المُصابين بالاكتئاب، للهروب من واقعهم المرير، إلى المخدّرات، القمار، القيادة المتهوّرة، أو أنواع الرّياضة التي تشكّل خطرا على حياتهم.
- مشاكل متعلّقة بالتّركيز. مثل، ضعف التّركيز، تذكّر التّفاصيل، واتّخاذ القرارات.
- الشّعور بالأوجاع والآلام الجسدية التي تفتقد لأدنى تفسير. مثل، آلام الرّأس، الرّقبة، الظّهر، عضلات الجسم، أو مشاكل في الهضم؛ وغيرها من الآلام التي تختلف باختلاف المريض.
هل هو اكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب؟
اضطراب ثنائي القطب أو ما يُسمّى بالاكتئاب الهوسي هو عبارة عن تقلّبات مزاجية شديدة تؤثّر على النّوم، والطّاقة، والقدرة على اتّخاذ القرارات، و السّلوك. ونظرا لوجود تشابه كبير بينه وبين الاكتئاب في حالة المزاج المنخفض فإنّه غالبا ما يتم التّغاضي عنه وتشخيصه بشكل خاطئ. ويُمكن أن يُشكّل هذا الأمر مُعضلة كبيرة لأنّ تناول مُضادّات الاكتئاب بالنّسبة لمرضى الاكتئاب الهوسي يمكن أن تجعل حالتهم أسوء. إذا كانت تراودك أحاسيس بالنّشوة المُفرطة، و الأرق، و الأفكار المتهوّرة، وأصبحتَ تتصرّف بشكل اندفاعي، فمن المستحسن أن تخضع لتقييمٍ نفسي لتتأكّد من عدم إصابتك باضطراب ثنائي القطب
الاكتئاب وخطر الانتحار
يُعتبر الاكتئاب سبب من الأسباب الرّئيسة للانتحار، إذ إنّ القنوط الشّديد و الشّعور بالعجز اللذان يُرافقانِه قد يدفعان بالمريض إلى إنهاء حياته كحلٍّ وحيد لتّخلّص من المعاناة. إذا كان لديك شخصا عزيزا عليك وكان يعاني من الاكتئاب، فعليك أن تأخذ محمل جِدٍّ أي نقاش يدور حول الانتحار أو أيّ سلوك انتحاري قد يصدر منه. ينبغي الأخذ في الاعتبار الإشارات التّحذيرية التّالية:
- تحدُّث المريض عن إمكانية إيذاء نفسه أو الانتحار
- إفصاح المريض عن شعوره بشدّة اليأس ووقوعه في مأزق
- التّفكير الدائم والغير عادي في الموت
- تصرّفاتٍ اندفاعية متهوّرة تصل إلى حدّ إلقاء المريض بنفسه إلى التّهلكة
- زيارة الأصدقاء وتوديعهم
- ترتيب أعماله الشّخصية، وإعطاء ممتلكاته الثمينة، و إنهاء بعض الأمور
- التلميح بأنّه شخص غير مهم في هذه الحياة وأن لا أحد سيأسف على رحيله
- الهدوء المُفاجئ، والذي يظهر فجأة بعد فترة من الاكتئاب الشّديد، ويكون مصحوبا بالبهجة والفرح
إذا كنت تشك أنّ صديقك أو أحدا من أفراد عائلتك قد ظهرت عليه بوادر الإقدام على الانتحار، فلا تتردّد عن إبداء عن قلقك و البحث عن المساعدة على الفور. بإمكانك إنقاذ حياةٍ بفضل التّحدّث بشكلٍ صريح عن الأفكار والمشاعر الانتحارية
إذا كنت تُفكِّر في الانتحار…
عندما تشعر بالاكتئاب وتفكّر في الانتحار، تتصوّر أنّك قد وصلت إلى طريق مسدود وأنّ مشاكلك لا حلّ لها. ولكن إذا كنت صبورا وتلقيت العلاج اللّازم والمُساعدة فإنّك ستتحسّن مع مرور الوقت. يجب أن تعلم أنّ هناك أناس كثيرون يرغبون في دعمك في هذه الأوقات العصيبة، فلا تتردّد في التوجه الى اقرب قسم طوارئ
تبايُن أعراض الاكتئاب حسب الجنس والعمر
يختلف الاكتئاب باختلاف الجنس والعمر، كما تختلف الأعراض بين الرّجال والنّساء، وبين الفئة العمرية من الشباب والمُسنّين
الاكتئاب عند الرّجال
يتميّز الرّجال المكتئبين بكونهم أقلّ احتمالا ليعترفوا بالعجز و بكراهية الذّات، إلّا أنّهم غالبا ما يشكون من التّعب، والعصبية، و مشاكل في النّوم، ويفقدون الرّغبة في ممارسة العمل أو هواياتهم المعتادة. و قد تظهر عليهم أيضا أعراض أخرى، مثل الغضب، والعدوانية، و التّهوّر، والميل إلى تعاطي المخدّرات
الاكتئاب لدى النّساء
النّساء هنّ أكثر احتمالا للإصابة بأعراض الاكتئاب، مثل الشعور بالذّنب، الإفراط في الأكل والنّوم، وزيادة الوزن. ويتأثّر الاكتئاب عند النّساء بالتّغيّرات الهرمونية أثناء فترة الحيض والحمل وسنّ اليأس. والواقع أنّ ما يُقارب 1 من بين 7 نساء يُعانين من الاكتئاب بعد الولادة
الاكتئاب لدى المراهقين
تتمثّل أهمّ الأعراض التي غالبا ما تظهر على المراهقين المكتئبين في العصبية، والغضب، والهَياج، ويُستثنى من ذلك الحزن. كما يُمكنهم أيضا أن يشتكوا من آلامٍ في الرّأس، أوفي المعدة، وغيرها من الآلام الجسدية
الاكتئاب لدى المُسنّين
يرتبط الاكتئاب عند كبار السّن عادة بأعراض جسدية أكثر ممّا هي نفسية، و تظهر هذه الأعراض في الشّعور بالتّعب، آلام لا تفسير لها، ومشاكل في الذّاكرة. كما أنّهم قد يفقدون الاهتمام بالعناية الصّحية ويتوقّفون عن تناول الأدوية الضّرورية لصحّتهم
أنواع الاكتئاب
يُمكن أن يأخذ الاكتئاب عدّة أشكال. ولذلك، ينبغي أن يكون الشخص المصاب على دراية كافية بنوع الاكتئاب الذي يُعاني منه لكي يتمكّن من معالجة الأعراض والحصول على العلاج الفعّال
الاكتئاب الشّديد
يتميّز الاكتئاب الشّديد بكونه أقل شيوعا بكثير من الاكتئاب المتوسط أو المعتدل وبأعراض حادّة و قاسية
• عادة ما يستمرّ الاكتئاب الشّديد لستّة أشهر تقريبا إذا لم تتمّ معالجته
• يعاني بعض الأشخاص من نوبة اكتئابٍ واحدة فقط في حياتهم، بينما يمكن أن يكون الاكتئاب الشّديد اضطراب متكرّر ويستمرّ لفترة من الزّمن
الاكتئاب الغير نمطي
يُعتبر الاكتئاب الغير نمطي نوع من أنواع الاكتئاب الشّديد الذي يتميّز بأعراض محدّدة ونموذجية. كما يتّسم أيضا بسرعة استجابته للأدوية والعلاجات بالمقارنة مع أنواع الاكتئاب الأخرى، وهذا ما يجعل تشخيصه أمرا سهلا
وتتمثّل أعراضه فيما يلي:
• يُمكن أن يزول الاكتئاب الغير نمطي و تتحسّن الحالة المزاجية لدى المُصاب بشكل مؤقّت، كردّة فعلٍ للأحداث الإيجابية، مثل سماع أخبار سارّة أو أثناء الخروج مع الأصدقاء.
• تتمثل الأعراض الأخرى للاكتئاب الغير نمطي في زيادة الوزن، زيادة الشّهية، زيادة الرّغبة في النّوم، الشّعور بثقل و إرهاق على مستوى الذراعين و السّاقين، وحساسية النّقد وعدم القبول من الآخرين
الاكتئاب الجزئي (الاكتئاب المُتكرّر والمعتدل)
هو نوع من أنواع الاكتئاب الخفيف والمزمن، وغالبا ما يشعر المصاب بهذا المرض بنوع من الاكتئاب المتوسّط أو المعتدل رغم إمكانية مروره ببعضٍ من الفترات التي يكون فيها مزاجه في حالته العادية.
• يُعتبَر الاكتئاب الجزئي أقلّ تأثيرا من الاكتئاب الشّديد، ولكنّه يستمرّ لفترة طويلة قد تصل إلى سنتين.
• يُعاني بعض الأشخاص أيضا زيادة إلى الاكتئاب الجزئي من نوبات اكتئابٍ تُعرف باسم “الاكتئاب المُزدوج”.
• إذا كنتَ تعاني من الاكتئاب الجزئي، فقد تشعر وكأنّك كنت مُصابا بالاكتئاب منذ زمن بعيد أو أنّ مزاجك المتقلّب “هو جزء من شخصيتك” لا يمكن تغييره.
الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)
يتعرّض بعض الأشخاص إلى الاضطراب العاطفي الموسمي في فصل الشّتاء نظرا لتقلّبات الطّقس المتمثّلة في انخفاض ضوء الشّمس وتقلّص ساعات النّهار؛ ويُصيب حوالي 1٪ إلى 2٪ من السكان، ولا سيما النساء والشباب. يجعلك هذا الاضطراب تشعر و كأنّك شخصا آخر مختلف عمّا كنت عليه في فصل الصّيف، بحيث تُصيبك الكآبة، والحزن، والتّوتّر، وتفقد الرّغبة في التّواصل مع أصدقائك أو الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها من قبل. و تظهر أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي عادة في فصل الخريف أو الشّتاء وتختفي في الأيام المشمسة لفصل الرّبيع
أسباب وعوامل خطر الاكتئاب
في حين أنّ بعض الأمراض لها أسباب طبّية محدّدة تجعل العلاج أمرا سهلا، فإنّ الاكتئاب هو مرض مُعقّد للغاية. الاكتئاب لا يحدث لمجرّد اختلال التّوازن الكيميائي في الدّماغ، بل كنتيجة لعدّة عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية. بعبارة أخرى، خيارات نمط حياتك وعلاقاتك ومهارات التّكيف لديك، وما إلى ذلك، كلّها أمور مهمّة بنفس الأهمّية التي تكتسيها الوراثة
تتضمّن عوامل الخطر التي تجعلك أكثر عرضة للاكتئاب، ما يلي:
- الوحدة والعزلة
- الافتقار إلى الدّعم الاجتماعي
- المرور مُؤخّرا بتجارب حياتية صعبة
- التّاريخ المَرَضي (الاكتئاب) للعائلة
- خلافات زوجية أو مشاكل في العلاقات
- الضّغوط المالية
- التّعرض للإساءة أو لصدمةٍ في مرحلة الطّفولة
- إدمان المواد الكحولية أو المخدّرة
- البطالة أو نقص العمالة
- المشاكل الصّحّية أو الآلام المزمنة
التّكيّف مع الاكتئاب
التّواصل مع الآخرين. إنّ العزلة تُغذّي الاكتئاب، ولذا كن على تواصلٍ دائم مع الأصدقاء ومع الأشخاص الذين تُحبّهم رغم إحساسك أنّك وحيدا أو تمثّل عِبئا على الآخرين. فمجرّد التّحدّث عن أحاسيسك مع شخص ما، يمكن أن يساعد بشكل كبير. إنّ الشخص الذي تتحدث إليه غير مُلزم بمعالجتك، ولكن عليه أن يكون مُستمعا جيّدا، يُصغي إليك باهتمام دون إصدار أحكام أو إسداء مشورة
تحرّك من مكانك. إنّ مجرّد التّفكير في الانتقال من السّرير قد يبدو لك أمرا شاقّا، ناهيك عن القيام بتمارين رياضية. ومع ذلك، فإنّ ممارسة الرّياضة بانتظام يُمكن أن تُساعد بشكل فعّال ، مثلها مثل مضادّات الاكتئاب، في التّصدي لأعراض الاكتئاب. قم بنزهة قصيرة، رفِّه عن نفسك، ومارس نشاطات مُحدّدة
تناول الأغذية المساعدة في تحسين المزاج. قلّل من تناول الأطعمة التي من شأنها أن تُؤثّر سلبا على مزاجك، مثل الكافيين، الكحول، الدّهون المُتحوّلة، السّكريات والكربوهيدرات المكرّرة. أكثِر من المُغذّيات التي تُساعد على رفع الحالة المزاجية، مثل أحماض أوميغا-3 الدّهنية
إيجاد سُبُل التّواصل مع العالم. حاول أن تقضي وقتا أكثر في الطّبيعة، اعتني بالحيوانات الأليفة، قم بعمل تطوّعي، مارس هواياتك المفضّلة أو ابحث عن هوايات جديدة أخرى. قد يكون هذا صعبا نوعا ما في البداية، ولكن بمجرد الاندماج مع أشخاص آخرين ستبدأ حالتك الصّحّية في التّحسّن