أنا إرهابي … اقتلني ؟!
الإرهاب على حد علمي و ثقافتي المحدودة .. هو تخريب و دمار و قتل و إراقة الدماء دون وجه حق .. لأسباب واهنة قد تكون في الظاهر لوازع ديني و في الباطن لمصالح أخرى سياسية و اقتصادية أو انتقامية … و لكني أراه في كل شئ من حولنا حتي في حياتنا اليومية و المعاملات المعتادة في أعمالنا .. و أيضا داخل بيوتنا و مع أولادنا و بناتنا .. و قد يصل أيضا إلى تعامل بعض الأزواج مع زوجاتهم .. و حتى قد يكون الارهاب بين المعلم و تلاميذه أو بين المدير و موظفيه .. و بين الحكام و شعوبهم .. الإرهاب ليس فقط قتل النفس أو التدمير .. الإرهاب قد يكون بقتل مشاعر و احساس الآخرين .. قد يكون بقتل الابداع و الموهبة .. أو قتل الفكر و احترام الرأي الآخر .. الإرهاب قد يكون في مجرد حديثنا عندما يريد كل منا احتكار رأيه و فرضه على الآخرين و عدم تقبل الرأي الآخر بكل عصبية و جهل .. الإرهاب هو فرض المناهج التعليمية و النظام التعليمي على الطلاب دون وعي ثقافي أو دون أهداف محددة لبناء حضارة و مستقبل أفضل للأجيال القادمة .. الإرهاب قد ينبع من داخلنا نحن في عقولنا .. حتى أن بعضنا قد يمارس الإرهاب على نفسه .. بقتل أجمل لحظات الحياة في العمر .. لمجرد احساسه بأي شئ ما يعيق تقدمه أو لاخفاقه في تحقيق أحلامه أو لمجرد أفكار و هواجس غبية تلوث عقله .. حتى الإرهاب قد يظهر واضحا في التمييز و العنصرية بين البلدان العربية أو حتى بين القبائل و العائلات .. و قد يمتد أيضا للتمييز بين أفراد الأسرة الواحدة … حتى في الحب هناك نوعا من الإرهاب عندما يريد كلا الطرفين امتلاك الآخر و فرض سيطرته عليه … كلنا إرهابيون و الفرق بيننا و بين الإرهاب الذي نشاهده اليوم هو أن هناك قوانين و دساتير تحدد معالم الإرهاب في حدود معينة فقط لا غير .. لن نستطيع علاج الإرهاب بالقوانين و الأحكام أو حتى بزيادة الحراسة و قوات الأمن .. مهما بلغت دقة التكنولوجيا و الإمكانيات العالية لأي دولة إلا أنه يمكن فعل أي عمل إرهابي … لن نقضي على الإرهاب بالقضاء أو الأمن أو التعليم أو حتى الثقافة و بقية المؤسسات الأخرى للدول .. أو حتى بتحسين مستوى المعيشة و لن يتغير أيضا بتغيير الحكام و الرؤساء لأنهم مجرد أداة لا أكثر كل ما يميزه أنه يملك السلطة فقط لا غير و حتى إنه لن يستطيع فعل أي شئ بدون مساعدة باقي المؤسسات ثم أفراد الشعب .. لا أبالغ حين أقول أننا كلنا إرهابيون .. الفكر ينبع من داخلنا نحن .. التعليم لن يخلق سوى إرهابيين لأن المعلم ما زال بفكره التقليدي القديم يمارس سلطته بكل إرهاب على التلاميذ.. أتعجب كثيرا لمادة الدين في مصر كيف تهمل دون المواد الأخرى .. حتى انني في يوم عندما سألت ابني لماذا درجتك ضعيفة في اختبار الدين أجابني بكل ارتياح مادة الدين لا تضاف إلى باقي مجموع الدرجات .. هذا طفل في بداية تشكيل وعيه الديني و الثقافي .. و بعض الدول العربية نجد لديهم اللغة الأجنبية هي الأولى ثم العربية .. حتى دول الخليج تضيف بعض مواد الدين كالحديث و التوحيد و الفقه لبقية المواد لكنها ضعيفة لا تسمن و لا تغني من جوع … فـ الدين في وطننا كله ما هو سوى شعارات مغلفة من الخارج فقط كـ بيت العنكبوت الواهن … و المشكلة الأكبر أننا نمارس الإرهاب بشكل علني على جميع طلاب الثانوية بإجبارهم على دخول كليات قد لا تناسب قدراتهم و قد لا يرغبون بها لمجرد ما يسمى بالتنسيق .. يعني ذلك أن مستقبل أولادنا مرتبط ببعض درجات قد تحوله إلى شيخ أو جندي أو طبيب أو مهندس أو معلم أو أيا كان .. فالكل في دائرة واحدة هي دائرة الدرجات .. هذا المقياس الذي لم يتناسب حتى مع التعليم الحديث في هذا العصر .. و لا أستبعد المؤسسات الدينية أيضا و دورها المهم في ذلك … الدين هو الدين و لن يتغير بتغير المكان أو الزمان .. من المفروض أن نتغير و ليس الدين … منذ زمن لم نجد إمام فاضل يلتف حوله الناس و يجتمعوا على كلمة واحدة .. و لم نجد مثقف واحد يزرع في عقولنا مفهوم البشرية و الإنسانية .. جميعنا أصبحنا نكتب أكثر مما نقرأ .. و خاصة بعد انتشار السوشيال ميديا و سهولة النشر .. أصبحنا كتاب و أدباء و مثقفين و نفقه في كل شئ .. بين عشية و ضحاها .. لقد أخطأوا عندما قالوا أن الإرهاب لا وطن له .. بل للإرهاب وطن بداخلنا و بداخل عقولنا .. و ثقافتنا الهشة و بقايا من عقيدتنا الصحيحة لا تكفي لمواجهة كل ذلك .. لا تتعجب ….عندما تنتشر ديانات كثيرة في هذا العصر من عبدة الشيطان إلى البهائية و كذلك .. لا تتعجب عندما تجد الشباب يائسا فاقدا للامل في الغد و لا تتعجب عندما تراق الدماء ليل نهار في وطن أصبح الرعاع فيها فقهاء و الأغبياء سياسيون و المنحرفون مثقفون … و الخونة وطنيون و ثائرون .. لا تتعجب عندما تصبح عقولنا مجرد بغبغاوانات تردد ما تسمع و ما ترى من إعلام يشبه سوق الخضار و مواقع تشبه سوق الحريم و مجالسهم … لا تتعجب عندما تجد البعض لا يعرف كيف يؤدي صلاته و لا يعلم عن عقيدته سوى الفكره المشبوه الذي نبت بداخله من البيت أولا ثم التعليم ثم المجتمع … لا تتعجب …عندما تجد الشعب بأكمله يقوم بجميع وظائف الهيئات و المؤسسات من اقتصاد و سياسة و فتاوي و ثقافة و هكذا فالجميع يفهم في كل شئ و يتحدث بكل شئ … و لا تتعجب عندما يسألك ابنك أين خريطة الوطن العربي ؟ و ما هي عدد الصلوات في اليوم الواحد ؟ و هل أنا مسلم أم كافر ؟ و هل يجوز قتل المسيحي ؟ … لا تتعجب عندما تجد دم الأبرياء يراق على الطرقات و بداخل دور العبادة … لا تتعجب و لا تتعجب … فهناك الكثير و الكثير … الإرهاب لن يهدم وطن كما يقولون لكنه يهدم عقول و يقتل فينا الإنسانية التي باتت رمادا بعد أن أحرقناها بجهلنا و ضعفنا و ألقينا بترابها في مياه الحقد و الحسد و الغش و الفساد … الإرهاب نحن و ليس غيرنا … و إن أردنا القضاء على الإرهاب إذا فلنقتل جميع البشرية و نجعلها أكبر إبادة على مستوى الأرض .. و ابدأ بنفسك و اكتب على جبينك ….. أنا ارهابي اقتلني إن أردت
د/ هاني الجبالي